الدولة الوطنية التونسية وتدبير التنوع السياسي: الإسلام السياسي في تونس بين 1981-1992
في إطار أنشطته الثقافية والعلمية، نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تونس، يوم 2 جوان 2021 جلسة أدبيّة تم خلالها تقديم كتاب “ الدولة الوطنية التونسية وتدبير التنوع السياسي: الإسلام السياسي في تونس بين 1981–1992” لمؤلفه الأستاذ صلاح الدين البرهومي الذي قدمه السيد نور الدين العلوي أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية.
افتتحت الجلسة بكلمة للأستاذ مهدي مبروك مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تونس، استهلها بالترحم على روح الأستاذ هشام جعيط. كما رحّب بالضيفين والحضور وكل من تابع فعاليات الجلسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أكّد الأستاذ مهدي مبروك على الجهد الذي يبذله المركز منذ خمس سنوات، من أجل التعريف بآخر الإصدارات التونسية والعربية في مختلف المجالات الفكرية والبحثية والأدبية، هذا وتطرّق إلى الأهمية التي تكتسيها الكتب التاريخية وخاصة منها التي تهتم بالتاريخ المعاصر في إعادة بناء الذاكرة والسردية الوطنية، خصوصا في ضل مسار الانتقال الديمقراطي الذي مازال يواجه العديد من العقبات. من ناحية أخرى عرج الأستاذ مبروك على أهمية العودة إلى دراسة الأرشيف متسائلا في ذات الوقت عن الأهمية الأبستمولوجي للوثيقة الأرشيفية، معتبرا أن هذا المبحث الابتسيمي مازال له راهنيته، معتبرا أن فرصة مناقشة الكتاب ومناهج العمل التي اتبعها ستكون فرصة لفتح بين اختصاصات مختلفة خصوصا وأن مقدّم الكتاب، الأستاذ نور الدين العلوي سيقاربه بعين عالم الاجتماع أكثر من عين المؤرخ أو القارئ الشغوف بالتّاريخ.
تلت الكلمة الترحيبية المداخلة التحليلية للأستاذ نور الدين العلوي، أكّد في منطلقها على أهمية العمل الذي قام به الأستاذ صلاح الدين البرهومي وقيمته سواء من حيث المخرجات أو من حيث المواد التي تمت معالجتها وتحليلها، والتي تناولت عدّة أنواع من الوثائق أهمها أرشيف وزارة العدل التونسية المتمثل أساسا في ملفات المحاكمات السياسية وخاصة منها محاكمات الإسلاميين في الثمانينات، بالإضافة إلى الأرشيف الإعلامي. وهو ما سمح للباحث بالقيام بتقاطعات ثلاث جمع فيها بين المادة الأرشيفية والمادة الإعلامية والمادة السياسية.
لكن في المقابل اعتبر الأستاذ نور الدين العلوي، أن التركيز على طرفين فقط، من دون باقي الفاعلين في المشهد السياسي للثمانينات والتسعينات، ويعني بهما حركة الاتجاه الإسلامي ومنظومة الحكم المتجسدة في الحزب الحر الدستوري ومن ورائه الدولة التونسية، وهذا يختزل إلى حد كبير التصورات حول تلك المرحلة التاريخية، خصوصا وأن الاكتفاء بمصدر واحد للوثائق، على اعتبار أن جلّ الوثائق سواء كانت أرشيفات أمنية أو قضائيا أو نصوص تغطيات إعلامية تندرج في سياق رواية الدولة، أي أنها رواية ذات اتجاه واحد. لكن في المقابل عاد العلوي ليؤكد على أمرين أساسيين، يتمثّل الأوّل في أهمية المدخل الذي اعتمده الباحث والمتمثّل في استعمال مفهوم “تدبير التنوع”، والثاني في شجاعة الباحث نظرا لتناوله لهذه الإشكالية معتبرًا أنها مغامرة جريئة في سياق نخبوي أكاديمي يخشى مراجعة علاقته بالإسلاميين.
من ناحيته أشار المؤرّخ وأستاذ التاريخ بالجامعة التونسية لطفي عيسى إلى أنه من الضروري التركيز على الإطار الذي عمل في سياقه الباحث حول المادة الأرشيفية معتبرا أن هذه المادة كبيرة، وهو ما يفرض على المؤرّخ تحديد موضوع عمله بدقّة وتَجنّب الانفتاح على مواضيع أخرى قد تخرج به عن هدفه المرسوم مسبقا. هذا كما أكّد على ضرورة قراءة الكتاب، انطلاقا من اشكاليته المركزية التي تفرض زاوية نظر مخصوصة، فهو يطرح سؤال تدبير التنوع من وجهة نظر علاقة السّلطة بمعارضيها والعلاقة بالأرشيف يفرضها هذا التصور، أي بما يعكس تمثّل الدولة للأحداث وكيفية إدراجه في سردية جماعية.
أما الأستاذ صلاح الدين البرهومي، حاول في مداخلته توضيح العديد من المسائل والجزئيات التي تطرّق لها كل من الأستاذين نور الدين العلوي ولطفي بن عيسى، مشيرا إلى أن الوثائق لم تتضمن فقط الأرشيفات الأمنية والقضائية والإعلامية للمحاكمات، وإنما تضمّنت أيضا مجموعة كبيرة من وثائق حركة الاتجاه الإسلامي المصادرة بالإضافة إلى اعتماده على عدة مصادر أخرى للمعلومات بمستوى أقل، من بينها المقابلات والأدبيات التي تم إصدارها من قبل منسبي الحركة في وقت لاحق. هذا كما أكّد في سياق مداخلته على أن النظام التونسي السّابق فشل سواء في فترته البورقيبية أو خلال فترة حكم زين العابدين بن علي في تدبير التنوع السياسي، وهو ما جنح به إلى الحلول الأمنية التي تم استنفادها واستعمالها إلى مداها الأقصى معتبرا أنه من الضروري اليوم أن نتوصل إلى تأسيس نظام يسمح للرأي المغاير أن يسمع ويعبر عنه ويؤخذ به.
وقد اختتمت فعليات الجلسة بفسحة حوارية ساهم فيها ثلة من الشخصيات السياسية والأكاديمية، التي حظرت الجلسة وسعت إلى إثراء النقاش سواء من خلال تجربتها الشخصية ومعاصرتها للأحداث موضوع الكتاب أو من خلال مقاربة نتائجه، انطلاقا من مخرجات بحوث أخرى تناولت نفس الموضوع أو مواضيع قريبة منه، فاتحين بذلك آفاقا لتطوير العمل الذي يبقى بشهادة جميع الحاضرين واحدا من أهم الإصدارات التي تتناول فترات حساسة من تاريخ تونس المعاصر، خصوصا ونحن نمر بمرحلة انتقال ديمقراطي تفرض علينا الحفر في تاريخنا لكشف الحقائق وتطوير معرفتنا به والتصالح معه من أجل بناء مستقبل أفضل.
اترك تعليقاً إلغاء الرد
فعاليات قادمة
ندوة علمية دُوليّة: السياحة وتأثيرها على المجال المحيط بها
دعوة للمشاركة تعلن الجمعية التونسية للدراسات والبحوث الحضرية بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.تونس عن بدء استقبال المقترحات البحثية […]
Appel à participation à l’académie de la migration – 2ème édition
La Fondation Heinrich Böll, Bureau de Tunis, et le Centre Arabe de Recherches et de l’Etude des politiques . Tunis […]
القرابة، والجوار، والجماعة، أو كيف نتدبر مجددًا الصلة بين المحلي والمشترك؟
دعوة للمشاركة يعلن قسم علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية الاجتماعية بتونس بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.تونس ووحدة البحث “توارث، […]
روابط مختصرة
آخر التقارير
- أزمة العلاقات الخليجية: في أسباب الحملة على قطر ودوافعه
- الأنظمة الصحية، الرعاية الاجتماعية والعدالة الصحية
- الدراسة الاستشرافية
- أفكار ضد التيار
- الخطاب الديني و بناء الدولة الوطنية مقاربات متعددة الاختصاصات
- الإرهابيون العائدون من بؤر التوتر: سياسات التصدي وإجراءات التوقي
- الإسلام النقدي: المثقف النقدي والمسألة الدينية