تونس وصندوق النقد الدولي: المرافقة المرّة في الأزمنة الصعبة
- فئة موائد مستديرة
في إطار نشاطه الثقافي والعلمي “قضايا الرأي العام” نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تونس بالشراكة مع مؤسسة دار الصباح، بتاريخ الجمعة 30 أفريل 2021، مائدة مستديرة تحت عنوان “تونس وصندوق النقد الدولي: المرافقة المرّة في الأزمنة الصعبة “.
تأتي هذه التظاهرة في سياق الجدل الحاصل خلال الأسابيع الأخيرة حول توجه وفد حكومي تونس إلى واشنطن في زيارة رسمية تندرج في إطار إطلاق المشاورات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج جديد للتعاون والدعم. وقد شارك في المائدة المستديرة كل من السيد توفيق الراجحي الجامعي والمستشار والوزير الأسبق لدى رئاسة الحكومة المكلف بالإصلاحات الكبرى والسيد حكيم بن حمودة الجامعي ووزير المالية السابق والسيد محمد سويلم المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي وكل من السيدان معز السويسي والسيد أيمن بوغانمي الأستاذان بالجامعة التونسية.
افتتحت الجلسة بكلمة ترحيبية للأستاذ سفيان رجب رحب خلالها بالمشاركين وكل من تابع فعاليات المائدة المستديرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذا كما عرض في الجزء الثاني من الكلمة موضوع النشاط الذي يتناول علاقة تونس بصندوق النقد الدولي محيلا على مختلف السياقات الصحية والسياسية والاجتماعية التي تحيط بالزيارة التي يقوم بها الوفد الحكومي ومدى قدرته على إنجاح المسار التفاوضي والعودة بحلول قد تكون مدخلا لإنقاذ تونس من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها.
تلت الكلمة الترحيبية للأستاذ سفيان رجب مداخلة تمهيدية للأستاذ مهدي مبروك مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تونس تطرق فيها إلى الأهمية التي تكتسيها زيارة الوفد الحكومي التونسي إلى واشنطن مشير إلى الدّور الذي تلعبه مثل هذه التظاهرات في تنوير الرأي العام من خلال سعيها إلى عقلنة النقاش العمومي حول موضوع طغت عليه المعالجات السياسوية التي يهيمن عليها النزاع الأيديولوجي بين مختلف الفاعلين صلب الأزمة السياسية التي تعيشها بلادنا اليوم. هذا كما ختم الأستاذ مهدي مبروك مداخلته بمروحة من الأسئلة التي سعى من خلالها إلى تأطير النقاش وأهمها:
1. ما الذي يدفعنا اليوم إلى التوجه نحو صندوق النقد الدولي؟
2. ما هي أبرز المسارات والعوامل الموضوعية منها والذاتية التي دفعنا نحو هذا الخيار؟
3. ما هي جملة التراكمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تدفعنا نحو هذا الخيار؟
4. ما هي أبرز الإصلاحات المقترحة للخروج من الأزمة؟
5. ما هو منشأ هذه الإصلاحات وما هو الإطار الذي تندرج في سياقه؟ هل هي إملاءات كما يرى البعض أم هي مقترحات ذاتية نعمل على تحقيقها بمرافقة خارجية كما يعتقد البعض الآخر؟
في ضوء هذه التساؤلات افتتحت المائدة المستديرة بمداخلة الأستاذ توفيق الراجحي الوزير والمستشار السابق برئاسة الحكومة المكلف بالإصلاحات الكبرى. أشار الأستاذ الراجحي في مداخلته إلى أنه لا يمكن فصل حاجة تونس لصندوق النقد الدولي اليوم عن الوضع الاقتصادي العام للبلاد والتدهور الذي عاشه بعد الثروة. حاول الراجحي في مداخلته تقديم تقييم عام للوضع الاقتصادي من خلال تقسم سيرورة هذا التقهقر الذي عرفه الاقتصاد التونسي إلى ثلاث مراحل:
مرحلة 2011-2012 : شهدت تراكما للإشكالات السياسية والاقتصادية مما تسبب في ركود حاد وصل إلى مستوى ناقص 2%. كما عرفت هذه الفترة أيضا موجة توظيف كبيرة في القطاع العام مع الترفيع في أجور الموظفين، بالإضافة إلى دعم الطاقة بشكل مهول وغياب سياسة تعديلية ناجعة. ورغم الانتعاش الاقتصادية التي عرفتها البلاد في سنة 2012 ليصل مستوى 4% شهد الاقتصاد في المقابل اتساعا في رقعة العجز والتضخم وانخفاضا في المداخيل نتيجة تراجع إنتاج الفسفاط والطاقة وتدهور عائدات السياحة.
مرحلة 2013-2015: عرفت محاولات إصلاح أولية كان وراءها صندوق الدولي من خلال برنامح “اتفاق الاستعداد الائتماني” (Stand-By Arrangement) وذلك تحقيق حزمة من الأهداف أبرزها الرفع في نسبة النمو. ورغم ما حققناه خلال هذه الفترة من تراجعا في مستوى الاستهلاك إلا أن الاقتصاد عرف انكماشا في الاستثمارات كان ناتجا عن غياب الاستقرار السياسي.
مرحلة 2015-2017: كان هناك عودة للإصلاح من خلال برنامج “تسهيل الصندوق الممدد” (Extended Fund Facility) لكن في نفس الوقت عرف هذا البرنامج العديد من العوائق أهمها بروز ظاهرة الإرهاب واضطرار الدولة إلى دعم الجانب العسكري والأمني والرفع من النفقات العمومية الناتجة عن الإنتدابات والترفيع في أجور المنتسبين للمؤسسة الأمنية.
مرحلة 2018-2019: تواصل مسار الإصلاح في إطار مشروع “تسهيل الصندوق الممدد”، لكن في المقابل ونتيجة التجاذبات السياسية المتكررة التي تشق النخب السياسية وخاصة منها النخب الحاكمة، بدأت التجربة التونسية تفقد جانب الدعم السياسي الدولي باعتبارها استثناء في سياق الربيع العربي.
مرحلة 2020-2021: مرحلة الجائحة وما ارتبط بها من انعكاسات اقتصادية واجتماعية. وقد زاد في تفاقم الأزمة وجودنا خارج سقف دعم صندوق النقد الدولية باعتباره ضمانا للخروج إلى المؤسسات المالية الدولية. أدّى هذا الغياب إلى صعبات في الحصول على تمويلات لتغطية عجز الميزانية. وهو ما جعل الحكومة والبنك المركزي يلجآن لأول مرة في تاريخ تونس، سنة 2020، وبعد ترخيص من البرلمان إلى تمويل مباشر بقيمة 3000 مليون دينار لتمويل نفقات الدولة.
في نفس السياق أشار الأستاذ محمد سويلم المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي إلى أنه لم تكن لتونس علاقة كبيرة بصندوق النقد الدولي قبل سنة 2010 وذلك رغم أنها نالت عضويته منذ سنة 1957. في المقابل التجأت الدولة التونسية للصندوق مرتين خلال العشرة سنوات الأخيرة. ويرجع سويلم هذه الأزمة إلى فشل الإصلاح السياسي معتبرا أننا اليوم في حاجة إلى إصلاح الإصلاح وضمان الاستقرار الحكومي. وفي هذا السياق أشار أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية أيمن بوغانمي إلى أن جوهر الأزمة يكمن في الثقافة السياسية للمواطن التونسي إذْ يعتبر أن الفضاء السياسي فقد كل إمكانية لعقلنة النقاش في ضل تواتر الأزمات بين مختلف الفاعلين وتعمقها بحيث يصبه من شبه المستحيل تطوير مشروع إصلاح من الداخل وهو ما يفتح الباب أمام ممارسة الضغوط الخارجية من أجل الدفع نحو عملية الإصلاح.
في المقابل يرى محمد سويلم أن الإصلاح الاقتصادي في تونس لا يمر بالضرورة بصندوق النقد الدولي إذْ يعتبر أن للبلاد ما يكفي من الخبرات للقيام لإنجاح المسار وأنه يجب علينا الخروج إلى الأسواق المالية العالمية وهو ما سنكون مجبرين عليه نظرا لأن سقف تمويلات الصندوق، المرتبط بمقدار مساهمتنا فيه، لن يمكننا لا محالة من تجاوز الأزمة الهيكلية التي يعيشها اقتصادنا.
أما الأستاذ حكيم بن حمودة وزير المالية السابق والجامعي المختص في الاقتصاد فقد أشار إلى أن الأزمة الشاملة التي تعيشها تونس اليوم تنقسم إلى ثلاث أزمات فرعية. أولها أزمة نمط التنمية. وهي أزمة هيكلية برزت منذ بداية السنوات 2000 وكان من الضروري، لحلها، التحول نحو نمط تنموي جديد يرتكز على الصناعات الجديدة والذكية وهو ما فشلنا فيه رغم عديد المخططات التي تم صياغتها والعمل عليها. ثانيها أزمة التوازنات الكبرى للاقتصاد والتي انطلقت بعد 2011 نتيجة اتساع رقعة العجز وتراجع نسبة النمو واختلال ميزان الدفعات وغيرها من الاضطرابات في المؤشرات الاقتصادية الكبرى للبلاد. ثاليها الانعكاسات الاقتصادية لجائحة كوفيد 19 وما نتج عنها من انكماش وصل إلى مستوى 8,8% وهو مستوى تاريخي لم تصل له تونس من قبل. هذا كما أكد بن حمودة، بدوره، على أن الالتجاء إلى صندوق النقد الدولي من أجل الضفر باتفاق لن يكون كافيا في هذه المرة. إذْ لابد من ضبط سياسة اقتصادية للخروج من الأزمة المالية. وتطوير سياسة ناجعة لا يمكن أن يكون دون تطوير رؤية شاملة وتجاوز الصراعات السياسية من أجل الاتفاق حول برنامج إنقاذ واضح المعالم. وفي هذا السياق سعى الخبير الاقتصادي معز السوسي إلى تقديم مجموعة من الحلول العاجلة قصيرة المدى والتي يجب اتخاذها من أجل إيقاف النزيف وإيقاف شبح الانهيار الاقتصادي والتي من أبرزها:
إيقاف تفعيل كل الاتفاقيات التي لها أثر مالي على مستوى القطاعات العمومية والخاصة والاقتصار على كل ما هو متعلق بتحسين ظروف العمل والسلامة المهنية.
ترحيل جميع المفاوضات إلى حين وصول نسق النمو إلى 4% فما فوق ودون تحديد موعد مسبق.
اعتماد مدونة مبادئ جديدة في المفاوضات الاجتماعية تعتمد نسبة الإنتاجية مع نسبة التضخم.
تطبيق سياسة فعالة وناجعة لاستهداف التضخم
التخفيض في نسبة الفائدة المديرية.
رفع جميع القيود على القروض بجميع أصنافها من أجل دعم الاستثمار.
توجيه الدعم الى مستحقيه باعتماد قوائم البيانات المحينة.
توجيه القرض البنك الدولي الأخير وقيمته 300 مليون دينار نحو إسناد سياسة استهداف الدعم.
تكوين لجان خبراء تبحث حالة بحالة وضعية المؤسسات العمومية وبدون خطوط حمراء وتحريرها من قيود البيروقراطية وتفعيل دور مجلس المؤسسة فيها.
فك مشكل الديون المتراكمة والمتعاكسة.
الشروع في مفاوضات من أجل تأجيل خلاص القروض الثنائية والتي تمثل 16 بالمائة من مجموع الديون العمومية.
التفاوض بخصوص القروض متعددة الأطراف والتي تمثل 52% من اجمالي الدين وتحويل 30 بمائة منها إلى استثمارات.
وفي نفس سياق تقديم الحلول أشار الوزر السابق لدى رئاسة الحكومة السيد توفيق الراجحي إلى أن مسارات التعامل مع صندوق النقد الدولي خلال العشر سنوات الأخيرة راكمت لدى الجهات المعنية في تونس ما يكفي من الخبرة كما من الضروري استخلاص العديد من الدروس التي ستمكننا من إنجاح هذه الدورة التفاوضية الجديدة وتفعيل مخرجاتها على أرض الواقع ولعل من أهمها:
تطوير التواصل السياسي حول الإصلاحات لتفسيرها وبناء استراتيجية لمواجهة التجييش الإعلامي المبني على المعلومات المغلوطة.
التقليل من التفاؤل في بناء التقديرات والعمل على سيناريوهات أكثر ضبطا.
ترتيب أولويات الإصلاحات وتجنب دمجها في نفس المجال الزمني.
الالتزام السياسي وتبني الإصلاحات من طرف القيادات السياسية والنخب ومختلف الفاعلين الإجتماعيين.
الالتزام بالقرارات والسياسات الإصلاحية المتفق حولها وعدم التراجع عنها.
دفع النمو الاقتصادي في البرامج الإصلاحية القادمة.
الرفق الاجتماعي من خلال تحسين منظومة الرعاية الاجتماعية.
رفع مستوى التنسيق بين مختلف المؤسسات المعنية بالإصلاح (البنك المركزي، الحكومة، وزارة المالية…).
عدم الاكتفاء ببرامج صندوق النقد الدولي وتعبئة الموارد من خلال التواصل مع الشركاء الاقتصاديين والمانحين من أجل مساندة تونس.
تجاز الثغرة المعلوماتية من خلال تطوير سياسة أرقام موجهة لمعاضدة مسار الإصلاح.
وعلى إثر ما تقدم من مقترحات تم ختم أشغال المائدة المستديرة على أمل أن تنشر أوراقها لاحقا في ملحق خاص بجريدة الصباح.
فعاليات قادمة
ندوة علمية دُوليّة: السياحة وتأثيرها على المجال المحيط بها
دعوة للمشاركة تعلن الجمعية التونسية للدراسات والبحوث الحضرية بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.تونس عن بدء استقبال المقترحات البحثية […]
Appel à participation à l’académie de la migration – 2ème édition
La Fondation Heinrich Böll, Bureau de Tunis, et le Centre Arabe de Recherches et de l’Etude des politiques . Tunis […]
القرابة، والجوار، والجماعة، أو كيف نتدبر مجددًا الصلة بين المحلي والمشترك؟
دعوة للمشاركة يعلن قسم علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية الاجتماعية بتونس بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.تونس ووحدة البحث “توارث، […]
روابط مختصرة
آخر التقارير
- أزمة العلاقات الخليجية: في أسباب الحملة على قطر ودوافعه
- الأنظمة الصحية، الرعاية الاجتماعية والعدالة الصحية
- الدراسة الاستشرافية
- أفكار ضد التيار
- الخطاب الديني و بناء الدولة الوطنية مقاربات متعددة الاختصاصات
- الإرهابيون العائدون من بؤر التوتر: سياسات التصدي وإجراءات التوقي
- الإسلام النقدي: المثقف النقدي والمسألة الدينية