مائدة مستديرة بالشراكة مع مؤسسة دار الصباح “الموارد المائية في تونس: الاستعمالات والحوكمة والاستراتيجيات”
نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تونس، في إطار نشاطه الثقافي والعلمي “قضايا الرأي العام” بالشراكة مع مؤسسة دار الصباح، بتاريخ الجمعة 3 أفريل 2021، مائدة مستديرة تحت عنوان “الموارد المائية في تونس: الاستعمالات والحوكمة والاستراتيجيات“. وقد شارك في فعالياتها كل من السيد عبد الله الرابحي كاتب الدولة الأسبق المكلف بالموارد المائية، والسيد حسن الفريقي المدير العام للموارد المائية بوزارة الفلاحة، والسيد عبد الحميد المنجى ممثلا عن الإدارة العامة للهندسة الريفية بوزارة الفلاحة. كما شارك في النقاش مجموعة من الخبراء في المجال وهم؛ السيد حسان الموري الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع والمختص في القضايا البيئية، والسيد حمزة الفيل الخبير الأستاذ الباحث في مركز بحوث وتكنلوجيا المياه، والسيد حكيم القبطني الأستاذ الجامعي والخبير المختص في الاستكشاف الجيوفيزيائي للموارد المائية والطبيعية الباطينية، والسيد علاء المرزوقي منسق المرصد التونسي للمياه.
إنطلقت أشغال المائدة بكلمة افتتاحية للأستاذ مهدي مبروك مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تونس الذي رحّب بالخبراء المشاركين وبكل من يتابع فعالياتها على مختلف وسائط التواصل الاجتماعي. وقد أشار الأستاذ مهدي إلى أنه لطالما مثّلت قضية الماء هاجسا مركزيا لدى الشعب التونسي، إذ لم تكن للبلاد موارد مائية كافية منذ تاريخها القديم ما اضطر أهلها لابتداع أساليب مبتكر تمكنهم من إشباع حاجياتهم، وهو ما تشهد عليه مختلف المنشآت المائية التاريخية التي خلفتها الحضارات المتعاقبة. ورغم حرص دولة الاستقلال بشكل مبكر على رسم خطط واستراتيجيات لترشيد التصرف في الموارد المائية وضمان توزعها بشكل عادل وشامل إلا أنه وبعد عقود من المجهودات مازالت العديد من الفئات والجهات تعيش عسرا في النفاذ إلى المياه خصوصا مع دخول البلاد مرحلة الضغط المائي وهو ما يطرح معضلة أمام راسمي السياسات العمومية سواء على التقني والإداري والاستراتيجي.
ثم أحال الكلمة إلى السيد عبد الله الرابحي كاتب الدولة الأسبق المكلف بالموارد المائية الذي أشار إلى أن رهانات الوضع المائي في تونس اليوم لا يختلف عن الرهانات المطروحة على المستوى الدولي. كما أكّد أن الإشكال الرئيسي لا يتثمل في شح المياه، وإنما في كيفية التصرف في الموارد المتوفرة وتطوير سياسات حوكمة ناجعة، تخرج عن مبدأ العرض الذي ميز الفترات السابقة من استقلال الدولة التونسية إلى بدأ الطلب وخلق التوازن بين القطاعات، والحد من الإسراف في إستهلاك المياه وذلك سواء على مستوى المواطنين أو على مستوى استهلاك الدولة والمؤسسات الخاصة. مؤكدا على أن هذا الانتقال لا يمكن أن يتم إلا من خلال إتباع المقاربة التشاركية وتعديل مجلة المياه واعتماد باراديغمات جديدة في بناء السياسات.
من جهة أخرى ركز السيد حسن الفريقي المدير العام للموارد المائية بوزارة الفلاحة، على الإشكاليات التي يعاني منها قطاع التصرف في الموارد المائية، في علاقة بالقطاع الفلاحي مؤكدا على ضرورة إعادة بناء السياسات الفلاحية، وذلك بالاعتماد على منوال تنموي جديد يعيد بدوره توزيع خارطة الأنشطة، بما يتلاءم مع الموارد المائية المحلية وضرورة استدامتها من خلال ترشيد الاستهلاك وحمايتها من مخاطر التلوث المحدقة بها.
وفي نفس السياق حاول السيد عبد الحميد المنجى ممثل الإدارة العامة للهندسة الريفية بوزارة الفلاحة، تشخيص حالة منظومة التّصرف في الموارد المائية في المناطق الريفية والمستغلات الفلاحية معرجا على مختلف مراحل تطورها منذ الاستقلال، عارضا أبرز الاستراتيجيات والمشاريع المتعاقبة والتي ساهمت في تطوير ربط أغلب مناطق الجمهورية التونسية بالماء الصالح للشراب. لكن ورغم النجاحات التي حققتها مختلف السياسات المرسومة في هذا المجال إلا أنه كان لها عديد الظواهر المنحرفة. فالرفع من النفاذ إلى الماء يرفع بدوره من الاستهلاك، وهو ما خلق العديد من الإشكالات من بينها ارتفاع الكلفة وعديد الانعكاسات البيئية، خصوصا في ضلّ عدم التناسق بين نسبة الربط بالمياه الصابحة للشراب ونسبة الربط بمنظومات التطهير والصرف الصحي، ما يمثل خطرا المخزون المائي الاستراتيجي للبلاد ويتطلب تدخلا عاجلا واستراتيجية للصرف الصحي في الوسط الريفي منخرطة بدورها في سياق الاستراتيجية الوطنية لاستدامة المنظومات المائية.
أما على مستوى مداخلات الخبراء، فقد تناولت مداخلة الأستاذ حسان الموري الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع والمختص في القضايا البيئية، آفاق وحدود المقاربة التشاركية في التصرف في المنظومات المائية الصالحة للشراب، محاولا إبراز أهم مميزات هذه المقاربة وأهم ملامح التجربة التونسية في المجال. في المقابل أكد الأستاذ حسان الموري على أن المجامع المائية تعاني اليوم عديد الإشكاليات المتراكمة سواء على المستوى اللوجستي أو الإداري أو الاجتماعي، ما عمّق أزمة التزوّد بالماء الصالح للشّراب في عديد المناطق الريفية وهو ما يتطلب تدخلا فوريا.
من ناحيته تناولت المهندس الخبير والأستاذ الجامعي حمزة الفيل مسألة جودة المياه معتبرا أن هناك نقصا في الشفافية فيما يتعلق بجودة المياه وهو ما يعكس حسب رأيه هجر الأغلبية الساحقة للتونسيين مياه الحنفية، والتجائهم إلى استهلاك المياه المعدنية المعلبة أو المياه الموازية (مياه العيون والمياه المحلات)، بالنسبة للفئات ضعيفة الحال. ولفهم هذه الظاهرة يعود الأستاذ حمزة الفيل، ليقدم عرضا حول مواصفات المياه التونسية، مقدما في نهاية مداخلته مجموعة من الحلول التي يمكن أن تساهم تحسين جودة مياه الحنفية واستقطاب المواطنين لاستهلاكها من جديد كمياه للشرب.
أما الأستاذ الجامعي والخبير المختص في الاستكشاف الجيوفيزيائي للموارد المائية والطبيعية الباطينية حكيم القبطني، فقد تناولت مداخلته آفاق إستكشاف وإعادة تقويم ومتابعة الموارد المائية الجوفية بتونس. وقد حاول في بداية مداخلته تقديم بسطة على الخصوصيات الجيولوجية لتونس معتبرا أنه، ورغم أهمية تعبئة الموارد السطحية والتوجه نحو موارد غير تقليدية، فإن إستكشاف ومتابعة تطور الموارد الجوفية يبقى من الأولويات الأساسية باعتبارها تمثّل الرّصيد الاستراتيجي للبلاد في ضل التغيرات المناخية الحالية والمستقبلية باعتبارها توفّر ما يقارب نصف حاجيات مياه الشرب.
أما على المستوى القانوني فقد سعى السيد علاء المرزوقي منسق المرصد التونسي للمياه في مداخلته التي قدم خلالها قراءة نقدية لمشروع قانون مجلة المياه. وقد تساءل المرزوقي في مداخلته حول مدى تعبير هذه المجلة عن المبدأ الدستوري الضامن للحق في الماء، معتبرا أن المجلة اتسمت بالإطناب في المسائل التقنية دون تقديم تصور ورؤية واضحة للمنظومة المائية. مشيرا إلى أنه قد غلب المشروع هاجز موازنات العرض والطلب فيما أهمل التصوّر المواطني الذي يراعي حق المواطنين الذي جاء به دستور 2014 ويضمن لهم الحق في الماء مع التنصيص على وجوب الحفاظ عليه وحمايته سواء من قبل الدولة أو المجتمع. ليستخلص إلى أن هذا المشروع لا يستجيب لمبدأ الضمان الفعلي والحقيق لحق النفاذ إلى الماء بل يدخل قطاعا حيويا إلى دائرة الاستثمارات وهي عملية سيكون لها حسب تعبيره انعكاسات سلبية عديدة.
وعلى إثر ما تقدم من قراءات لوضع المنظومة المائية في تونس تم ختم أشغال المائدة المستديرة على أمل أن تنشر أوراقها لاحقا في ملحق خاص بجريدة الصباح.
اترك تعليقاً إلغاء الرد
فعاليات قادمة
ندوة علمية دُوليّة: السياحة وتأثيرها على المجال المحيط بها
دعوة للمشاركة تعلن الجمعية التونسية للدراسات والبحوث الحضرية بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.تونس عن بدء استقبال المقترحات البحثية […]
Appel à participation à l’académie de la migration – 2ème édition
La Fondation Heinrich Böll, Bureau de Tunis, et le Centre Arabe de Recherches et de l’Etude des politiques . Tunis […]
القرابة، والجوار، والجماعة، أو كيف نتدبر مجددًا الصلة بين المحلي والمشترك؟
دعوة للمشاركة يعلن قسم علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية الاجتماعية بتونس بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.تونس ووحدة البحث “توارث، […]
روابط مختصرة
آخر التقارير
- أزمة العلاقات الخليجية: في أسباب الحملة على قطر ودوافعه
- الأنظمة الصحية، الرعاية الاجتماعية والعدالة الصحية
- الدراسة الاستشرافية
- أفكار ضد التيار
- الخطاب الديني و بناء الدولة الوطنية مقاربات متعددة الاختصاصات
- الإرهابيون العائدون من بؤر التوتر: سياسات التصدي وإجراءات التوقي
- الإسلام النقدي: المثقف النقدي والمسألة الدينية